‏كيف نتعامل مع طهران:  عدو أم مصدر تهديد؟

‏كيف نتعامل مع طهران: عدو أم مصدر تهديد؟

‏حسين الرواشدة 

‏منذ أن انطلقت الثورة الإسلامية الإيرانية(1979) أحكمت عمان إغلاق أبوابها و" نوافذها" أمام أي محاولة من طهران للتمدد إلى الداخل الأردني ؛ صحيح تم تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين(1991) ، ثم شهدت موجات من المد والجزر ، بلغت اقصى درجات الدفء في عهد الرئيس خاتمي ، حيث زار الملك إيران (2003 )، لكن سرعان ماعادت اجواء  التوتر لهذه العلاقات ، وكثيرا ما دخلت إلى "الثلاجة" .

الأردن لم يصنف إيران كعدو،  ولم يتعامل معها بمنطق الاستعداء،  ولا يريد ذلك،  اعتبرها جزءاً من الجوار،  وطالبها باحترام ما يفرضه حق "الجيرة" من التزامات بين الدول ، لكنها  تعمدت مرارا استخدام "فقه الحيلة"،  وحاولت ، بلا جدوى، أن تضم عمان إلى قائمة عواصم الطوق الأربعة التي زرعت لها أذرعا فيها ، وذلك لمقايضة واشنطن وتل أبيب على خريطة تقاسم النفوذ والقوة في المنطقة.

‏على الرغم من أن عمان وضعت طهران كمصدر تهديد وخطر على المصالح الأردنية والأمن الوطني ، إلا أنها لم تقطع معها العلاقات الدبلوماسية (تم سحب السفير الأردني 2016 ولم يعد حتى الآن)،  قبل نحو عام ونصف جرت لقاءات سياسية وأمنية بين الطرفين ، بعضها في عمان والأخرى في بغداد ، وقدم الأردن مطالبات بوقف التدخل الإيراني  عبر حدوده الشمالية ، لكن الردود الإيرانية ظلت معلقة ، فيما استمر سلوك المليشيات التي تتلقى أوامرها من طهران ضد الأردن كما هو ، من المفارقات - هنا- أنه بينما كان أحد كبار المسؤولين الإيرانيين في لقاء مع مسؤول سياسي أردني بعمان ، تم شن هجوم سيبراني على موقع وزارة الخارجية الأردنية ، مصدره (كما ثبت لاحقا )من طهران.

اثر رد الفعل الإيراني على تل أبيب (14 نيسان الحالي)،  عادت العلاقات الأردنية الإيرانية إلى نقطة الصدام والتوتر من جديد ، كان الأردن محقا في حماية أرضه وسيادته من أي اختراق وضد أي طرف ، وكان على طهران ألا تقع في هذا الخطأ ، لكنه على ما يبدو كان مقصودا،  فالعين الإيرانية أصبحت تنظر إلى الأردن كساحة لخلط الأوراق ، لا من أجل غزة وفلسطين ، وإنما لتصفية حساباتها السياسية مع تل أبيب.

‏كان يجب أن تفهم طهران الرسالة الأردنية ، المعادلة واضحة، فكما حرصت هي على الدفاع عن سيادتها بعد ضربة " القنصلية" بدمشق ، من حق الأردن أن يدافع عن سيادته ،  لكن يبدو أن ما تفكر به طهران ابعد من ذلك ، وعليه : هل تنتهي القصة عند حدود ما جرى من ردود  دبلوماسية  وإعلامية ؟ بتقديري، لا ، نهاية الحرب على غزة ونتائجها هي التي ستحسم  مصير العلاقة مع طهران ،  كما ستحسم ملفات وخرائط التحالفات وتقاسم الادوار في المنطقة ، وعليه ستظل الخطوط بين عمان وطهران مفتوحة،  لكن بحذر ، ومحفوفة بالتوتر ايضا،  كما انه من المتوقع أن تتصاعد هواجس الأحساس بالخطر الإيراني داخل المجتمع الأردني ( آخر استطلاعات الرأي أشارت إلى أن 72% من الأردنيين يشعرون بالعداء تجاه إيران).

‏السؤال الآن : كيف ستتعامل الأردن مع طهران، وكيف سيتم تصنيفها :  عدو ام مصدر تهديد وخطر ؟ أكيد غير وارد أن تكون حليفا ، الإجابة ربما تلخصها 33 سنة من العلاقات بين الطرفين ، وهي تقوم على معادلات معقدة من التفاهمات الباردة ، والعداوات الكامنة ، والتقلبات السياسية التي تفرضها ظروف المنطقة والعالم وتحالفات أقطاب  النفوذ فيها،  مصلحة الدولة الأردنية أن تنأى بنفسها عن أي استقطاب أو استعداء لأي طرف ، وأن تتعامل بحذر وجاهزية مع المتغيرات ، وان تدفع باتجاه وقف الحروب في المنطقة ، ثم بناء شبكة علاقات متوازنة مع عمقها العربي.

‏لكن الأهم من ذلك هو أن  تحافظ الدولة الأردنية على قوتها وصمودها،  وعلى تماسك جبهتها الداخلية وكفاءة إداراتها ومؤسساتها العامة ، وأن تضبط حركة السياسة عند التعامل مع الأزمات الكبرى على قاعدة المصالح العليا للدولة ، هذا كفيل بتحصينها ضد ما يتهددها من اخطار خارجية ، خاصة خطر كماشة المشروعين اللذين يشكلان تهديدا لها،  أقصد المشروع الصهيوني والآخر الفارسي ؛ لاحظ أن المشروعين يتقاطعان في نقطة واحدة ، هي  القوميات "الدولاتية" (إيران دولة وحيدة للفرس،  وإسرائيل دولة وحيدة لليهود ) ، وهذا يشكل بالحسابات  الأمريكية والغربية والاسرائيلية ،  وفي ظل غياب المشروع العربي ، اكبر فرصة للتفاهم وتقاسم النفوذ بينهم وبين ايران للهيمنة على المنطقة ، طبعا على حسابنا ، أقصد حساب القضية الفلسطينية ، وأمتنا العربية ، وبلدنا أيضا.


تنويه.. يسمح الاقتباس وإعادة النشر بشرط ذكر المصدر (صحيفة أخبار الأردن الإلكترونية).